برق للتحميل فقط

الخميس، 13 ديسمبر 2012

الصف الثالث الثانوي ( كتاب عمر بت الخطاب )

كتاب عمر بن الخطاب إلى أبي موسى الأشعري
1-"بِسْم الله الرَّحْمنِ الرَّحِيْم" مِنْ عَبْدِالله عُمَر بْنِ الخّطّابِ أميْرِ المُؤْمِنيْنَ إلى عبْدِ الله بْنِ قَيْس  سلامٌ عليْكَ  أمَا بعْد : فإنَّ القضاءَ فريْضَةٌ مُحْكَمَةٌ وسُنَّةٌ مُتَّبَعةٌ؛ فافْهَمْ إذا أُدلِيْ إليكَ، وأنفِذ إذا تبيّن لك، فإنَّه لا ينْفَع تكلُّم بحقٍّ لانفَاذ له، آسِ بيْنَ الناسِ في وَجْهِك وعَدْلِكْ ومَجْلِسِكَ حتّى لا يَطْمَعُ شريفٌ فِي حَيْفِكَ، ولا يَيْأس ضعِيْفٌ مِنْ عَدْلِكَ، البيِّنة على مَنْ ادَّعى واليَمِيْن على مَنْ أنْكر، والصُلْحُ جائزٌ بيْن المسلمين، إلا صُلحاً أحلَّ حراماً أو حرّم حلالاً، ولا يَمْنَعك قضَاءٌ قَضَيْتهُ اليَوْمَ فراجعْتَ فيه عقلُك، وهَدَيْتَ فيه لرُشدك أنْ تَرْجِعَ إلى الحَقِّ فإنَّ الحقَّ قَدِيْم ومُراجعة الحقِّ خيرٌ من التمادِيْ في الباطِل 
البداية بالبسملة من أهم ملامح النثر الإسلامي خطباً ورسائل. وفي البداية يكتب المُرسل اسمه ولكن عُمر ذكر واصفاً نفسه ب (عبدالله) تواضعاً منه، ثم أردفها باسمه، ثم وظيفته (أميرالمؤمنين) التي تتيح له إصدار التوجيهات التي سترد في الرسالة. (إنّ القضاء فريضة محكمة) جملة خبرية مؤكدة بمؤكد واحد هو إنَّ؛ لذا ضرب الخبر طلبي وهذا إرجاع لله، وفي (سنة) إرجاع للنبي، (متبعة) إرجاع للخليفة أبي بكر الصديق، وكأنه يقول (وأني على نهجهما لسائرٌ). (فافهم إذا أدلي إليك) الأمرحقيقي، وفي البداية به تدليل على أهميته؛ فهو في الحقيقة (إذا أدلي إليك فافهم) وقد حذف فاعل أدلي؛ للتركيزعلى الفعل، كذلك حذف مفعول (افهم) (انفذ) لنفس الغرض. ثم عاد للجملة الخبرية مرة أخرى للإقناع بصحة الأمرين (افهم انفذ) الخبر مؤكد بمؤكد واحد هو (إنَّ)؛ لذا ضربه طلبي. (وجهك) مجازمرسل، والمعنى المراد هو اهتمامك، وآلة الاهتمام هي الوجه: ننظر وبه ونبتسم؛ لذاتكون العلاقة هي الآلية. (يطمع شريف في حيفك  ييأس ضعيف من عدلك) مقابلة بين أربعة معانٍ، والجملة الخبرية هي دليل على صحة الأمر (آس). الجمل من قوله (البينة) إلى قوله(حلالاً) جملً خبرية خالية من التوكيد؛ لإحساسه بأنه يقول ما لا خلاف عليه أوتردد في قبوله. (هُديْت) حذف الفاعل؛ ببناء الفعل للمجهول؛ بغرض الإيجاز والتركيزعلى فعل الهداية - غضَّ النظر- عن الهادي وفي ذلك قيمة عدلية عالية، وقد قال (ص): "الحكمة ضالة المؤمن أنّى وجدها استرشد بها" أو كما قال. الجملة الأخيرة في الفقرة فيها مؤكِدواحد هو (إنَّ)؛ لذا ضرب الخبر طلبي. (مراجعة الحق  التمادي في الباطل) مقابلة بين معنيين؛ إذ المراجعة هنا تستلزم العودة إلى الوراء وهي بالضد  كما هو واضح - من التمادي الذي يشير إلى الاستمرار. (أحلَّ حراما  حرَّم حلالاً) مقابلة بين معنيين .
المعنى اللغوي للفقرة: بعد البداية بالبسملة، وصف نفسه بالعبودية لله، ذكر اسمه ثم وظيفته التي مكنّنته من إصدار التوجيهات للمرسل إليه الذي ذكر اسمه، ثم سلّم عليه وأشارإلى البداية المعروفة. أما بعد هذه المقدمة الضرورية فوظيفة القضاء أمر حتّمه الله على البشر؛ لمافيهم من الاختلاف، وهو نهج اتبّعه الرسول (ص) فحكم بين الناس، وعيّن القضاة، كذلك تبعه في ذلك خليفته (الصديق)، ومن ثم يطلب من القاضي أنْ يركِّز حواسه؛ لاستيعاب كل ما يقال عنده؛ حتّى يلم بجوهر النزاع، ومتى ما استوعب وأصدر حكماً فعليه أنْ يجعل حكمه سارياً؛ لأنّ الحكم العادل لو لم يسرِعلى الواقع لما تحققت من وراء إصداره فائدة أو نفع. ثم يطلب منه المساواة بين المتخاصمين في طريقة النظر، والاهتمام بما يقولون، وتعابير الوجه عموماً، وفي مكان جلوسهم (قرباً وبعداً) أثناء نظر الخصومة، وفي فرص العدالة المتساوية، وكل ذلك حتّى لا يؤدي عدم المساواة إلى أن يرغب أصحاب المكانة في المجتمع فيما ليس لهم بحق ظلماً للآخرين، ولايفقد  بالمقابلعوام الناس الأمل في أنْ ينالوا حقهم بالعدل؛ وبذلك يضع المرتكز النفسي لتحقيق العدل؛ بإعطاءالفرصة المتساوية فالعدل سيتحقق.ثمّ يذكرمبدأًعاما-يعتبرمن أهمّ مبادئ التقاضي الإسلامي  وهو أنّ مهمة من يطلب حقاً لدى الغير أنْ يأتي بالدليل والبرهان على صحة دعواه، وعلى من يدّعي بطلان ذلك، القسم بالطريقة الشرعية وهي وضع اليد اليمنى على المصحف. كذلك يقرر حكما عاماً هو إباحة التراضي بين المسلمين، لكنه يمنع التراضي الذي يجعل ماحُرِّم في الدين حلالاً أوالعكس. ثم يشير إلى أنَّ صدور حكم ما، لا يعني نهايته، ولا حرج في إعادة - أي حكم- إذاما اتضح فساده، أو مخالفته للعدل - غض النظر- عمّن أشار إلى بطلان الحكم السابق، ودلََّّّ على طريق الصواب، وعلّل ذلك بالحكمة التي ترى ثبات الحق وبأنه الأصل، والرجوع إليه أفضل من الاستمرار في الخطأ والباطل .
2- الفهم الفهم فيما تلجلج في صدرك مما ليس في كتاب الله ولا سنة النبي (صلى الله عليه وسلم)، ثم اعرف الأشباه والأمثال، فقِس الأمورعند ذلك بنظائرها واعمد إلى أقربها إلى الله وأشبهها بالحق، واجعل لمن ادّعى حقاً باطلاً أو بيِّنة أمداً ينتهي إليه، فإنْ أحضر بينته أخذت له بحقه، وإلا استحللت عليه القضية فإنّ ذلك أنفى للشك وأجلى للعمى وأبلغ للعذر.
(الفهم الفهم) في اللجوءإلى أسلوب الإغراء المؤكد حرص من الخليفة على مسألة الفهم في الوصول إلى العدل، وهو مبتغى الرسالة. من الفقرة - في جزئها الأول - تستطيع ترتيب مصادرالقضاء الإسلامي بالشكل التالي: 1/القرآن الكريم (الكتاب)2/ السنة النبوية (قولا فعلا-إقراراً) 3/ القياس، وذلك لايتم إلا بالمعرفة للأشباه والنظائر؛ لذا قدّم الإغراء بالفهم. (أقربها  أشبهها) اللجوء إلى اسم التفضيل دلالة على مساحة واسعة في الأحكام، وليست  بالضرورة - الحق التام أو أنّ مصدرهاالله  تماما - ومن ثم لا تجعل لها قدسية؛ وإنما تراجع متّى تغيرت المقدمات التي تمّ القياس عليها، أو غابت بعض الحقائق. (إلا استحللت) حذف فعل الشرط؛ للإيجاز والتقدير:(إنْ لم يحضر بينته استحللت). (العمى) استعارة تصريحية؛ إذ شبّه عدم القدرة على إدراك الصواب بالعمى، وصرّح بالمشبه به على سبيل الاستعارة التصريحية، والقرينة حالية.استعمال أسماء التفضيل (أنفىأجلى أبلغ) تواضع من عمر، وإدراك عميق لنفوس البشر، فلم يدعِ نفي الشك، ولا وضوح الروية، ولا الأعذار؛ وإنما جعل ما قاله أفضل ما يوصل إلى هذا الرأي مقارنة  بغيره .
المعنى اللغوي للفقرة: احرص على فهم ما يتردد في قلبك من أمورلا تجد لها حكماً واضحاً في القرآن الكريم، ولا في ما قاله الرسول أومارسه، أوأقر أحداً عليه، ثم اهتمّ بدراسة الأشياءالمتماثلة، أو المتقاربة؛ حتّى تستطيع أنْ تستدل بها إلى أكثر الأشياء قرباً من حكم الله الوارد في كتابه؛ ومن ثم ألصقها بالحق. ثم طلب منه أنْ يحدَّد وقتاًمحدداً لأي شخص يرى أنه يستطيع أنْ يأتي بشاهد أو دليل ولكنه ليس حاضراً، ثم تكون نهاية الفترة نظر القضية، فإنْ جلب مايؤيِّد حقه حكمت لمصلحته، وإنْ فشل في ذلك خسر قضيته. إعطاء هذه المهلة هو أفضل وسيلة يمكن لها أنْ تنفي الشك في العدل، وهي أنجع وسيلة يمكن أنْ تجلي عدم رؤية الصواب، وهي الأنسب في الاعتذار لمن يرى أنّ الحق معه لكن شاهده غائب؛ فالمهلة المناسبة تجعله راضياً ولو على مضض . 
3-المسلمون عدول بعضهم على بعض إلامجلوداً في حدٍّ، أومجرباً عليه شهادة زور، أو ظنيناً في ولاء أو نسب، فإنَّ الله قدْ تولّى منكُمْ السرائر، ودرأ بالبيِّنات والأيمان، وإيّاك والقلق والضجر والتأذِّي بالخصوم، والتنكر عند الخصومات، فإنّ الحق في مواطن الحق يعظِّم الله به الأجر، ويحسِّن به الذخر، فمَنْ صحّت نيته،  وأقبل على نفسه، كفاه الله مابينه وبين الناس، ومَنْ تخلّق للناس بما يعلم الله أنه ليس في نفسه، شانه الله. فما ظنك بثوابٍ عند الله عز وجلّ في عاجل رزقه وخزائن رحمته! والسلام .
(فإنّ الله قد تولّى منكم السرائر) كناية عن صفة اهتمام القاضي بالظاهر؛لأنَّ الدواخل مسئولية الله. حتّى لا يترك مجالاً لإنكارهذاالخبر؛ لجأ لمؤكدين هما(إنّ  قد) وبذا يصبح ضرب الخبرإنكاريا. (درأ) حذف المفعول به؛ بغرض الإيجاز مع التعميم أي درأ كل شئ غير ما ذكر. (فإنّ الحق ... الذخر) جملة خبرية مؤكدة بمؤكد واحد (إنّالضرب طلبي) أتت لكي تكون دليلاً وتحفيزا للامتثال للجملة الإنشائية السابقة (التحذير) التي حذف منها فعل الأمر لفظاً وبقي معناه. (أقبل على نفسه) أي قمع شهوة نفسه. (فما ظنك) الغرض من الاستفهام هو التعجب، التعجب من حال من يشك في ثواب الله فيلجأ إلى منافقة البشر. (خزائن رحمته) تجسيم للرحمة بأنْ جعل لها خزائن.
المعنى اللغوي للفقرة : تصلح شهادة كل المسلمين على بعضهم البعض، عدا الذي حوكم بالجلد؛ لأنه ارتكب جريمة من جرائم الحدود، أو الذي شهد قبل ذلك وكان كاذباً في شهادته، أو الشخص الذي يشك الناس في نسبه، أوولائه، فهؤلاء المذكورين- سابقا  لا تعتمد شهادتهم. والقاضي عليه بالظاهر، أمّا بواطن البشر فهي مسئولية الله. وقد حدّد لنا وسائل كف الأحكام وهي: الأدلة، والشهود، واللجوء إلى الحلف بأشكاله المختلفة (غموس أو غيرغموس). ثم حذّره من الاضطراب والملل، والسأم، وإظهار الألم لحظة عرض القضايا، أو الإنكارعلى المتخاصمين إبداء حججهم؛ فإظهار الحق في موضعه من أهم الوسائل التي توصل إلى عظيم الأجرعند الله. وتصبح كنزاً يوم القيامة يغرف منه الإنسان. ثمّ يقرر أنّ صاحب النيّة الحسنة، القامع شهوات نفسه، ساعيا إلى الحق لا يبالي برضا الخلق، فإنّ الله يتولى عنه مسئولية الناس. أمّامَنْ يسعى لرضاء الناس، ويظهر على غيرحقيقته، والله يعرف حقيقته؛ فإنّ الله سيجعله قبيحاً أمام هؤلاء الناس الذين يحاول الظهورأمامهم بمظهرجميل، لكنه غيرحقيقي، وأعجب لمن لا يكتشف، ويتيقن من عظمة الأجرعندالله  سواءً - في الدنيا بصورة سريعة في الأرزاق، أو في الآخرة الأّجلة في تلك الخزائن المملوءة رحمة. والسلام. 

مع تحياتي : عبدالرازق ادم

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق